×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

 وبالجملة: فالكفر بمنزلة مرض القلب أو أشد، ومتى كان القلب مريضًا لم يصحّ شيء من الأعضاء صحة مطلقة، وإنما الصَّلاح أن لا تشابه مريض القلب في شيء من أموره، وإن خفي عليك مرض ذلك العضو، لكن يكفيك أن فساد الأصل لا بد أن يؤثّر في الفرع، ومن انتبه لهذا قد يعلم بعض الحكمة التي أنزلها الله، فإنَّ مَنْ في قلبه مرض قد يرتاب في الأمر بنفس المخالفة لعدم استبانته لفائدته، أو يتوهم أن هذا من جنس أمر الملوك والرؤساء القاصدين للعلوّ في الأرض، ولعمري إنَّ النُّبوة غاية الملْك الذي يؤتيه الله من يشاء وينزعه ممّن يشاء، ولكن مُلك النُّبوة هو غاية صلاح من أطاع الرسول من العباد في معاشه ومعاده.

وحقيقة الأمر: أنَّ جميع أعمال الكافر وأموره لا بد فيها من خلل يمنعها أن تتم له منفعة بها.

ولـو فرض صلاح شيء من أمـوره على التمام لاستحق بذلك ثواب الآخرة، ولكن كل أموره إما فاسدة وإما ناقصة، فالحمد لله على نعمة الإسلام التي هي أعظم النعم، وعلى كل خير كما يحب رَبُّنا ويرضى.

فقد تبيّن أنَّ نفس مخالفتهم أمر مقصود للشارع في الجملة، ولهذا كان الإمام أحمد بن حنبل وغيره من الأئمةِ رضي الله عنهم يعلِّلون الأمر بالصبغ بعلّة المخالفة، قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: ما أحبّ لأحد إلاّ أن يغير الشَّيب، ولا يتشبّه بأهل الكتاب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلا تَشَبَّهُوا بِأَهْلِ الْكِتَابِ»  ([1]).


الشرح

([1])  أخرجه: أحمد رقم (7545).