×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

 فأما بعدما بعث الله الرسول صلى الله عليه وسلم، فالجاهلية المطلقة: قد تكون في مصرٍ دون مصر، كما هي في دار الكفار، وقد تكون في شخص دون شخص، كالرجل قبل أن يسلم، فإنه يكون في جاهلية، وإن كان في دار الإسلام.

فأمّا في زمان مطلق: فلا جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة.

والجاهلية المقيّدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين، وفي كثـير من المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ» ([1]) وقال لأبي ذر: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» ([2]). ونحو ذلك.

****

 مفاد ذلك: أنَّ من الطوائف التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن التشبه بها أهل الجاهلية، ويُراد بالجاهلية: ما قبل الإسلام، أي: قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الناس كانوا في جاهليةٍ جهلاء، وضلالةٍ عمياء لبُعد الفترة بين محمد صلى الله عليه وسلم وآخر أنبياء بني إسرائيل عيسى عليه الصلاة والسلام، فقد بُعث صلى الله عليه وسلم على فترةٍ من الرسل، أي: في وقت انقطعت فيه آثار الرسالات، وغُيّرت بقايا الأديان الصحيحة، وسادت الوثنيّات، وصار الناس في جاهلية عامّة؛ لأنَّ العالم لا يصح أن يعيش بدون الرسالات، فإنَّ فقدان الرسالات يعني تسلط شياطين الإنس والجن، فلذلك رحم الله البشرية، فبعث محمدًا صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وينقذهم من الجاهلية.


الشرح

([1])      أخرجه: مسلم رقم (934).       

([2])      أخرجه: البخاري رقم (30)، ومسلم رقم (1661).