إلاّ أنهم لا يعملون بمقتضاه كاليهود، فإنّهم كانوا كما ذكر
الله تعالى أهل كتاب وأهل علم، ولكنهم لم يعملوا بعلمهم - والعياذ بالله - فغضب
الله عليهم. ويُشْبِههم كل عالم لا يعمل بعلمه.
وأمّا الضالُّون: فهم النصارى الـذين
يعبدون الله على جهل وضلال، غير ناظرين فيما يتعلَّق بعبادتهم إلى دليل أو سند،
ويُشبههم في ذلك كل عابد على غير علم، مثل الصوفية الذين يجتهدون في العبادات
والسلوك ومجاهدة النفس، وليس لهم في ذلك دليل على ما يفعلون إلاّ استحساناتهم
وأذواقهم ومواجيدهم، وما تُـحَدِّثُ به قلوبُهم، فشَطَحوا وضلّوا. وهذا مَصير كلِّ
مَنْ يسيرُ على غير هدًى ودليلٍ وحجّة.
صحيحٌ أنَّ الحديث
في هذا الكتاب عن اليهود والنصارى، ولكنَّ الأمر يَنسحِب على من نَهجَ منهجهم، كما
قال بعض السلف: من ضلَّ من علمائنا ففيه شَبَهٌ من اليهود، ومن ضلَّ من عُبّادنا
ففيه شبهٌ من النصارى.
وينبغي لمن سلكَ هذا الصراط أن لا يَحيدَ عنه، وأن يُخالفَ ما عداه، ولقد ذكر ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم واضحًا وجليًّا، ففي الحديث المرويِّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ»، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ» ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153] ([1]) وقولُ النبي صلى الله عليه وسلم هذا موافق
([1]) أخرجه: أحمد رقم (4142)، والنسائي في الكبرى رقم (11109).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد