القُدْوة التي جعلها الله أمةً وسطًا، وهي التي
تشهد على الأمم الأخرى يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ
عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ ا﴾ [البقرة: 143].
وقال تعالى: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ
عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ [آل عمران: 110]، فهذه المكانة تقتضي أنَّ تتميَّز
هذه الأمة عن غيرها، ولا تذوب في الأمم الأخرى، لأنها أمةٌ قائدة ورائدة، فلا بدّ
أن تكون لها شخصيتُها وهويتها الـمتميِّزة عن سائر الأمم، لا سيّما الأمتين: «المغضوب
عليهم» وهم اليهود، و«الضالُّون»: وهم النصارى.
وإنما صار اليهود
مغضوبًا عليهم، لأنهم أُعطوا علمًا ولكنهم لم يعملوا به، وكلُّ من اتّصف بهذه
الصفة من العلماء الذين لا يعملون بعلمهم، أو أولئك الذين يشترون به ثمنًا قليلاً
ويكتمونه، فإنَّ هؤلاء جميعًا قد استوجبوا غضب الجبار عليهم.
أضف إلى هؤلاء قسمًا آخر وهم الذين يُهملون العلم الشرعي، ولا يسعون إليه، في حين أنك تَجدُهم يبالغون في العبادة، ونعني بذلك: النصارى الذين ابتدعوا رهبانية ما كتبها الله عليهم وليس لهم بها برهان، وإنما اتبعوا ما تُمْليه عليهم رغباتهم واجتهاداتهم، وعلى غرار هؤلاء الصوفيةُ الذين نَحَوْا هذا المنحى، فهم يجتهدون في العبادات، ولا يهتمون بالعلم الشرعي، حتى إنهم يُزَهِّدون الناسَ فيه، ويقولون: إنَّ طلب العلم يَشغل عن العبادة، لذلك فهم يحذّرون من طَلَبَ العلم، والجلوس إلى العلماء، ويحرصون على مزاولة طقوسٍ وعباداتٍ لم تؤسَّس على علم، سبحان الله! وهل تكونُ العبادةُ صحيحة بغيرِ علم، فهُم كما ذكر أشبَه ما يكونون بالنصارى الذين قال تعالى بحقِّهم:
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد