﴿وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا
كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ﴾ [الحديد: 27]، ومع هذا فهم لم يقوموا بها، كما وصفهم
الله تعالى بقوله: ﴿فَمَا رَعَوۡهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاۖ﴾ [الحديد: 27].
فهذه هي سُنة الله:
أنَّ من غالى في العبادة واشتدَّ فيها، فإنه ينقطع ويعجز، كما قال صلى الله عليه
وسلم: «فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضًا قَطَعَ، وَلاَ ظَهْرًا أَبْقَى» «[1])، هذه هي طريقة النصارى والمتصوّفة الذين يتشابهون معهم في زهدهم في العلم
وغلّوهم في العبادة، حتى وُجِدَ منهم من يقول: إنَّ العلم يأتيك بدون
تَعلُّم، وإنما يُفتحُ عليك إذا اجتهدت في العبادة والذِّكر، فحينها تأتيك
الفيوضات.
بل إنَّ غُلاتهم
يقولون: إننا نأخذ من الله مباشرة، ولا نحتاج إلى الرسل ولا إلى الكتب، وهذا إنما
هو نتيجة الإعراض عن تعلُّم العلم النافع المبني على الدليل من الكتاب والسنة
والذي يَعصِمُ صاحبَه الزَّلَل، ويُورثُ العَملَ الصّالحَ.
والله جل وعلا حذَّرنا من سلوك الطريقين وأمرنا بسلوك الطريق الوسط، فقال سبحانه: ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧﴾ [الفاتحة: 6- 7]. فالذين أنعم الله عليهم هم الذين جمعوا بين العلم النافع، والعمل الصالح، وهذا هو الـذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قـال تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ﴾ [التوبة: 33]، فـ«الهُدى»: هو العلم النافع، و«دين الحق»: هو العمل الصالح، فالرسول صلى الله عليه وسلم بُعث بالأمرين معًا، ولم يُبعث بأحدهما، وكل من سلك هذا المسلك ونَهجَ هذا المنهج،
([1]) أخرجه: البيهقي رقم (4744).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد