بل إذا سلَّم عليه أول قدومه كفاه ذلك، فإنَّ
الصّحابة لم يكونوا يتردّدون على قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلّما دخلوا
المسجد.
وهذا الفعل، أي:
كثرة التردد على قبره صلى الله عليه وسلم إنما هو من باب التشبّه باليهود والنصارى
في غلّوهم بأنبيائهم وصالحيهم، ولقد حذَّرنا ربُّنا سبحانه وتعالى ونبيُّنا صلى
الله عليه وسلم من الغلوّ في الأشخاص، أو الغلوّ في الأمكنة أو الأزمنة، فقال جل
وعلا: ﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي
دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ﴾ [المائدة: 77]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ
وَالْغُلُوَّ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ» ([1])، فالغلوُّ يفضي إلى
الهلاك وإلى فساد العقيدة والعبادة، وإلى أشياء كثيرة لا تُحمَدُ عقباها، والحكمة
تقول: كل شيء تجاوز حدَّه انقلب إلى ضدّه، فالاعتدال والوسطية هي المطلوبة في كلِّ
شيء.
ثمَّ إنَّ اختيار
الشيخ رحمه الله لعنوان الكتاب وهو «اقتضاء الصراط المستقيم» يذكِّرنا دائمًا
أنه يجب علينا مخالفـة مَن هم على غير هـذا الصراط من اليهود والنصارى ومن شابههم،
فإنَّ دينهم لا يخلو من أحد أمرين: إمّا أنه محرّف ومغيّر ومبدّل، وإما أنه منسوخ
بديننا، فلذلك لا نأخذ من دين اليهود والنصارى شيئًا، وإنما نثبت على ديننا؛ لأنه
ناسخٌ لما قبله، فإن كان محرَّفًا ومبدّلاً فهو باطل، وإن كان منسوخًا، فلا يجوز
العمل بالمنسوخ.
ومما تطرَّق له الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب: إحياء الآثار، آثار المعظَّمين كالأنبياء والعلماء والرؤساء، لما في ذلك من خطرٍ على العقيدة؛ لأنَّ هذا يُفضي إلى الغلوّ بهؤلاء الأشخاص الذين تُعظّم آثارهم، ومن ثمَّ فإنَّ الغلوّ يفضي إلى الشرك، وهذا الفعل لم يكن
([1]) أخرجه: النسائي رقم (3057)، وابن ماجه رقم (3029)، وأحمد رقم (3248).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد