×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

 معروفًا عند السلف الصالح، وهم أحرص الناس على الخير وتحصيله، فلم ينقل عنهم أنهم عظَّموا الآثار، كتعظيم مسكنٍ أو بقعة أو شجرة وغير ذلك، وإنما تركوا هذا الفعل؛ لأنَّهم لم يروُا النبي صلى الله عليه وسلم يحتفل بها، ولا أنه ذهب بعد البعثة إلى غار حراء، أو غار ثور، أو إلى البيت الذي وُلد فيه، لم يكن صلى الله عليه وسلم يفعل شيئًا من ذلك، وخير الهدْي هدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرُّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة.

ومن الفوائد الجمَّةِ لهذا الكتاب: أنه لامَسَ واقِعنا، حتى إنك لَتظُنُّ أنه قد أُلِّف في عصرنا؛ لأنَّ المشاكل التي تناولها وطرحها للبحث وأصَّل لها، نعيشها في واقعنا المعاصر، ثم إنه رحمه الله قدَّم لها حلولاً ناجعة، ودرسها على ضوْء الكتاب والسنة، وهدْي السلف الصالح مما ينتفع به أهل هذا الوقت، وهذا مما يدلُّ على إخلاصه وشفقته واهتمامه بشؤون المسلمين، ممّا يدلُّ على أنَّ الله تعالى قد أنزل في علمه وكتبه البركة، لا سيّما وهي تعالجُ القضايا الـمُشكِلة في كل زمان، وتنتفع بها الأجيال القادمة.

وعملُه هذا ينسحبُ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِْنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ([1]).

فهذا العلم الذي ورَّثه الشيخ رحمه الله وانتفع به المسلمون، إنما يرجع أجرُه إلىه، ولقد سمعت الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في كلمةٍ ألقاها في بعض المناسبات في كلية الشريعة حيث أتى بهذا الحديث، فقال: إنَّ الصدقة الجارية قد تنقطعُ، والولد الصالح قد يموت، ولكنَّ العلمَ


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (1631).