ولكن ليس كل اليهود حرَّفوا وبدَّلوا، وإنما
غُلاتهم هم الذين فعلوا ذلك، وقد بيَّن الله حَال فريق من أهل الكتاب أنهم مؤمنون
خاشعون، وأنهم ليسوا سواءً، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن
يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ
خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ
ً﴾ [آل عمران: 199]،
وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ
تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ﴾ [المائدة: 83]،
وقال تعالى: ﴿۞لَيۡسُواْ
سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ
ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ ١١٣ يُؤۡمِنُونَ
بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ
ٱلۡمُنكَرِ وَيُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١١٤﴾ [آل عمران: 113 - 114].
فالذين شملهم غضب
الجبار هم غُلاتهم وطُغاتهم الذين فسقوا وخرجوا عن طاعة الله، فغضبَ الله عليهم
ومسخهم، فجعل منهم القردة والخنازير، وقصة احتيالهم في السبت غايةٌ في الوضوح،
فإنَّ الله حرَّم عليهم أن يصطادوا يوم السبت، إلاّ أنهم نَصَبوا شباكهم في يوم
سبتٍ، وعملوا حفائر على جانب البحر، فجاءت الحيتان وهي مطمئنة فوقعت في الشِباك،
فجاؤوا يومَ الأحـد وأخذوهـا، فاستحقوا بذلك غضب الله فمسخهم قردةً وخنازير، قال
سبحانه: ﴿وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعۡتَدَوۡاْ مِنكُمۡ فِي ٱلسَّبۡتِ
فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِِٔينَ﴾ [البقرة: 65].
فانظر إلى قوله تعالى: ﴿مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ﴾ [المائدة: 60]، واللَّعنُ: هو الطَّردُ مِن رحمة الله عز وجل ﴿وَغَضِبَ عَلَيۡهِ﴾ [المائدة: 60] وهذا أشد -والعياذ بالله- وإنما استحقوا اللعن والغضب لأنهم عصوا على عِلم، أي: على بصيرة.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد