×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

وروى البخـاري في «صحيحـه» عن أبي هـريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي مَأْخَذَ القُرُونِ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: «وَمَنِ النَّاسُ إِلاَّ أُولَئِكَ» ([1]).

****

 قوله: «مَأْخَذَ القُرُونِ...» أي: أنَّ هذه الأمة تسير بسيرة الأمم التي قبلها.

وقوله: «شِبْرًا بِشِبْرٍ» المراد بيان شدة اتباعهم، والمبالغة في تقليدهم.

وقد جاء في الحديث الـذي قبله: «لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ» ([2]) يعني: رغم عَسْر مدخله ومخرجه، إلاّ أنكم من شدّة اتباعكم لهم حتى في أتفه الأشياء، تتبعوهم حتى لو ساروا بكم إلى أعنت الطرق.

قوله: «فقالوا: يا رسول الله فارس والروم!» وفارس: هم الشعب المعروف بالفرس وهم في المشرق، والرُّوم: الشعب المعروف في المغرب، وإنما ذكر فارس والروم لأنهم أكبر ممالك الأرض حينئذٍ، وأكثرهم رعيّة، وأوسعهم بلادًا.

وفي هذا الحديث علَم من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد حـدث مثلما أخبر، وهذا خبر معناه التحذير لهذه الأمة من التشبه بالأمم الماضية، حتى لا يصيبها ما أصابهم من العذاب، فلا بدّ لهذه الأمة أن تكون لها شخصيتها المستقلة. 

***


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (7319).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (3456)، ومسلم رقم (2669).