×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

وأمّا قوله تعالى: ﴿وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ هذه الآية في اليهود الذين كانوا بالمدينة، فإنهم كانوا قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يعلمون زمان بعثته، ويعلمون صفته كما يعرفون أبناءهم كما قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ [البقرة: 146]، وقد كان اليهود قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين من أهل المدينة، ويهددونهم بأنه سيُبعث نبيٌّ أظلّ زمانه، فنتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بُعِث وجاءهم ما عرفوا من صفاته، كفروا به واستكبروا عن اتباعه.

ولهذا قال الله جل وعلا: ﴿فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ أي: حلَّت عليهم اللعنة والغضب؛ لأنهم خالفوا الحق عن معرفةٍ وعلمٍ، وحملهم على ذلك الكبر والحسد لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وأمته. وهذا يدلُّ أنَّ أهل الكتاب الذين لا يتبعون محمدًا صلى الله عليه وسلم قد كفروا عن علم، فهم أشدُّ كفرًا من عَبَدةَ الأوثان، فهم عصَوا الله على بصـيرة، فاستحقُّوا الغضب واللعنة، وفي هذا ردٌّ على الذين ينادون الآن بأنَّ الأديان كلها صحيحة، وأنه لا إنكار على اليهودِ، ولا على النصارى في أديانهم، وأنه يجب أن تجتمع الأديان الثلاثة، فهم يريدون الجمع بين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان، وهذا لن يكون أبدًا، فإنَّ دين محمد هو خاتم الأديان، فلا دين بعده، فمن أبى أن يطيع هذا الرسول ويتّبعه فهو من الكافرين، وهو من أهل النار، خالدًا فيها، وسواء كان من اليهود أو من النصارى، أو من الأُميّين، أو من العرب أو من العجم، أو من أي جنسٍ كان.


الشرح