×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

 ولكنه سبحانه وتعالى أراد أن يبتليهم ويمتحنهم، ويكون إيمانهم عن اختيـار وإرادة، ولا يكون إيمانهم عن إجبار، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ [الكهف: 29] وهذا من باب التهديد، لا من باب الإقرار كما يحتج بعض الناس، ويقول: إنَّ الناس أحرار، وإنَّ هذه حريّة الرأي وحرية العقيدة، لو كان الأمر كذلك ما احتيج إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب.

فالمقصود: أنَّ الله أراد أن يختبرهم، وأن يجعل لإرادتهم ومشيئتهم دورٌ في أعمالهم، وأقوالهم، وتديّنهم، فمن كان هواه تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا هو السعيد، ومن كان هواه تبعًا لرغباته وشهواته، فهذا هو الشقيّ.

ثم قال جل وعلا: ﴿فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ أي: بادروا بالخيرات قبل أن تفوت؛ لأنَّ الدنيا تنتهي، والأيام تنطوي، والساعات تنقضي، فإذا أخّرت العمل، فقد لا تدركه، فعليك أن تبادر، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، أو بعد غد، أو العام القادم، فإنك قد لا تدركه، ولو أدركته فقد لا توفَّق، وقد يعرض لك ما يحول بينك وبين ما تبغي، وتعجز عن ذلك، فبادر ما دمت متمكنًا.

ثم قال الله تعالى في نهاية هذه الآيات: ﴿أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ [البقرة: 148] فالله يجمع الخلائق يوم القيامة على اختلاف أجناسهم وأعمالهم، ويجازيهم بها كلٌّ بحسب عمله، فلا يظن الظَّانون أنَّ الناس مُهمَلين في هذه الدنيا يسرحون ويمرحون ويلعبون، ويُعرِضون عن كتاب الله، ثم ينتهي الأمر بموتهم، لا بل لا بد أن يكون لهم موعـد مع الله جل وعلا يجازيهم فيه بأعمالهم، ويحاسبهم عليها.


الشرح