×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

وقد توعَّد الله سبحانه هؤلاء المستمتعين الخائضين بقوله: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ َ [التوبة: 69] وهذا هو المقصود هنا من الآية. وهو: أنَّ الله قد أخبر أنَّ في هذه الأمة من استمتع بخلاقـه، كما استمتعت الأمم قبلهم، وخاض كالذي خاضوا، وذمَّهم على ذلك وتوعدهم عليه.

****

  المقصود هنا: أنَّ الله يُبيّن مآل الأمر والنتيجة التي أوصلت المتأخرين إلى ما وصل إليه من قبلهم، وهي تشبُّههم وتخلُّقهم بخلاقهم، أي: بدينهم، وخوضهم كما خاضوا، أي: في عقائدهم، والنتيجة هي أنها حبطت أعمالهم، يعني: فليس لهم رصيد من الأعمال في الآخرة؛ لأنهم أبطلوها بهذا الخوض وهذا الاستمتاع، فعلى المسلم أن يحذر من هاتين الخصلتين: الخوض في العقيدة بغير علم، بل باتباع الشبهات، والخوض في الشهوات وفعل المحرَّمات والمعاصي، فإنَّ هذا الفعل محبطٌ للعمل ولا يكون لصاحبه في الآخرة نصيب، قال الله عز وجل: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ [هود: 15]، ثم إنَّ قوله تعالى: ﴿نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا هذا مقيَّد بالمشيئة ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ [الإسراء: 18] فيمكن أن لا يُعطى شيئًا لا في الدنيا ولا في الآخرة، فيخسر الدنيا والآخرة، فهذا مقيد بقوله: ﴿مَا نَشَآءُ.

قوله: «أنَّ الله قد أخبر أنَّ في هذه الأمة مَن استمتع بخلاقه...» هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَان قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ» ([1])، فلما كان في الأمم


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3456)، ومسلم رقم (2669).