×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

وفي «صحيح مسلم» عن عبـد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ خَزَائِنَ فَارِسَ وَالرُّوم، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟» قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ عز وجل، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَدَابَرُونَ، أَوْ تَتَبَاغَضُونَ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ، ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ» ([1]).

****

معنى هذا الحديث: كالحديث الذي قبله، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الله سيفتح لهذه الأمة بلاد فارس وبلاد الروم، وهما أمتان عظيمتان ودولتان كبيرتان في ذلك الوقت، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبر أنَّ هاتين الدولتين ستسقطان في أيدي المسلمين، وأنَّ المسلمين سيملكون ما عندهم من الثروات، ثم سأل أصحابه: ماذا تكونون حين ذلك؟ إذا فُتحت عليكم الدنيا واستوليتم على ممالك فارس والروم، أيُّ قومٍ أنتم؟ فعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال قولاً حسنًا، قال: نكون كما أمرنا الله ورسوله، وفي قوله هذا دليل على قوة إيمانه رضي الله عنه، وأنَّ الثروة والمال لا يغيّران موقف المؤمن، وهذا من باب حسن الظن بالله عز وجل قال ذلك لما وجد في قلبه من قوة اليقين، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من أثرى الصحابة رضي الله عنهم، ومع هذا لم تُطغه ثروته ولم تنقص من فضله وعبادته، لأنه عرف قدر الدنيا، فأخذها بكسب مباح ولم يغترّ بها، إنَّما أخذها لمقاصدَ حسنةٍ، فهو ينفق ماله بسخاء في مصالح المسلمين.


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2962).