×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

فالحق واضح، ولم يكن تركهم له عن جهل، وإنما تركوه لأنه يخالف أهواءهم، وهم إنما يريدون ما يوافق أهواءهم، والأهواء مختلفة ومتعدِّدة، فلذلك لا يجتمعون، فإنَّ كلَّ واحدٍ منهم يريد أن يحقّق رغبته، ويتمسّك برأيه ويُصرّ عليه؛ لأنَّ صاحب الهوى لا يمكن أن يرجع حتى وإن بُيِّن له الحق وجُلِيَت له الأدلة.

وأما من ترك الحق عن جهل، ثم بُيِّن له ذلك وعاد إليه، فهذا لا يُذمُّ على فعله، لأنه ما تركه رغبة عنه، أو كان تركه عن اجتهاد وغَلَبة ظَنّ أنه على حق، ثم إنه اجتهد في طلبه ولم يوفّق له، ولكنه لو تبيَّن له الحق لرجع إليه، فهذا لا يُذمّ كذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ وَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» «[1])، فإذا كان الاختلاف ليس عن هوى، وإنما هو عن جهل أو عن اجتهادٍ في طلب الحق ولم يُصبْـه، فهذا لا يُذمّ إلاّ إذا تعصَّب لرأيه، لكن الذي يُذمُّ غتدما يكون الاختلاف من أجل اتِّباع الهوى.

ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ هذا الهوى مرضٌ كمرض الكَلَب، والكَلَب بفتح اللام: هو المرض الذي ينشأ عن عَضَّةِ الكلب، لأنه يوجد من الكلاب من هو مصاب بداء، فإذا عضَّ أحدًا أصابه هذا الداء، وانتقل إليه، ويفتك به إلى أن يموت، والعَوَام يسمّون من أصابه ذلك بـ«المغلوث» أو «السُّعار»، فإنَّ من تحكَّم فيه هواه - والعياذ بالله - يشبه المصاب بداء الكلَب حتى يفضي به إلى الهلاك.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (7352)، ومسلم رقم (1716).