×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

وإن كان أكثر الناس إنما يفزعون إلى الطريق الثاني، وقلَّ منهم من يتفطّن للطريق الأول وهو أبلغ إذا صحّ.

ثم نقول: هب أنَّ الإجزاء يحصل بما يسمّى مخالفة، لكن الزيادة على القدر المجزئ مشروعة؛ إذا كان الأمر مطلقًا كما في قوله: ﴿ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ [الحج: 77] ونحو ذلك مـن الأوامر المطلقة.

الوجه الثالث في أصل التقرير: أنَّ العدول بالأمر عن لفظ الفعل الخاصّ به إلى لفظ أعمّ منه معنى، كالعدول عن لفظ: أطعمه إلى لفظ: أكرمه. وعن لفظ: فاصبغوا إلى لفظ: فخالفوهم، لا بد له من فائدة، وإلاّ فمطابقة اللفظ للمعنى أولى من إطلاق اللفظ العامّ وإرادة الخاصّ، وليست هنا فائدة تظهر إلاّ تعلُّق القصد بذلك المعنى العامّ المشتمل على هذا الخاصّ، وهذا بَيِّن عند التأمل.

الوجه الرابع: أن العلم بالعامّ عامًّا يقتضي العلم بالخاصّ، والقصدَ العامّ عامًّا يوجب القصد للمعنى الخاصّ، فإنك إذا علِمت أن كلّ مسكر خمر، وعلمت أنَّ النبيذ مسكر، كان علمك بذلك الأمر العامّ وبحصوله في الخاصّ موجبًا لعلمك بوصف الخاصّ، كذلك إذا كان قصدك طعامًا مطلقًا، أو مالاً مطلقًا، وعلمت وجود طعام معيَّن أو مال معيَّن في مكان حصل قصدك له، إذ العلم والقصد يتطابقان في مثل هذا، والكلام يبيّن مراد المتكلم ومقصوده.

فإذا أمر بفعل باسم دالٍّ على معنى عامّ مُريدًا به فعلاً خاصًّا، كان ما ذكرناه من الترتيب الحكمي يقتضي أنه قاصد بالأَولى لذلك المعنى العامّ، وأنه إنما قصد ذلك الفعل الخاصّ لحصوله به.


الشرح