×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الأول

 الجاهلية، وصياغة أمة واحدة بجميع أفرادها، لا فضل لعربيها على عجميها ولا لأسودها على أبيضها إلاّ بالتقوى، فالتفاضل بينهم لا يكون على أساس القبيلة أو القوميّـة أو الحزبيّة، وإنما على أساس التقوى، قال سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ [الحجرات: 13].

فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا النداء من الرجلين، كلٌّ ينادي جماعته، أنكر ذلك وبيَّن أنه من أمور الجاهلية، قال: «أبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ؟» وهذا من باب الاستنكار والاستهجان، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» أي: اتركوا دعوى الجاهلية فإنها مُنتنة قبيحة؛ لأنَّ المسلمين صاروا إخوة، لا فخر لبعضهم على بعض.

والحاصل: أنَّ على المسلمين عدم التفاخر بالقبائل والعشائر والعصبيّات والحزبيّات.

ثم إنَّ المنافقين استغلوا هذه الحادثة؛ كعادتهم في إثارة نار العداوة بين المسلمين، لا سيما إذا وجدوا فرصة لذلك، فلما حصل بين الأنصاري والمهاجري ما حصل، وجدوها فرصة سانحة للإيقاع بين المهاجرين والأنصار، الذين جمعهم الله على الإيمان وعلى التقوى، فقام رئيسهم وأخبثهم عبد الله بن أبي بن سلول، فقال: ما لنا ولهم شبه إلاّ كما يقال: سَمِّن كلبك يأكلْك، هكذا قال يتمنّن على المهاجرين بأن الأنصار آووهم ونصروهم، ويظن أنهم هم السبب في عزِّهم وفي ما نالوا، ثم قال: ﴿لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ


الشرح