×
الشرح المختصر على متن زاد المستقنع الجزء الثاني

وَسُنَّ لِمَنْ شُتِمَ قَوْلُه: « إِنِّي صَائِمٌ».

*****

 عليه بمِثلِ ما تكلَّمَ عليكَ قِصاصًا، لكنَّ الصائِمَ لا يقْتَصُّ حتَّى لوْ سابَّهُ أحَدٌ أو شاتَمَهُ فإنَّهُ لا يَرُدُّ عليهِ، بل يقولُ: «إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ» ([1]).

يقولُ المُؤَلِّفُ رحمه الله: «وَسُنَّ» أي يُستحَبُّ «لِمَنْ شُتِمَ»؛ أيْ أُطلِقَ عليهِ كلامٌ قبيحٌ كالسَّبِّ، واللَّعنِ، وغيرِ ذلك مِن أنواعِ الكلامِ القَبِيحِ الَّذِي فيهِ تَجريحٌ للشَّخْصِ، ولا شكَّ أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى أباحَ القِصاصَ لِمَنِ اعْتُدِيَ عليهِ، قال تعالى: ﴿وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ [الشورى: 40]، وهذا يشْمَلُ القِصاصَ في القَتْلِ، والقِصاصِ في الجِراحاتِ، والقِصاص في الكلامِ، ولكنَّ الصائمَ إنِ اقتَصَّ، وقال لشاتمِه مِثْلَ ما قالَ هذا جائِزٌ؛ لأَِنَّهُ قِصاص وعدْلٌ، وإنْ صبَرَ، ولم يقتَصَّ فهذا أحسَنُ وأتَمُّ، قال تعالى: ﴿فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ هذا على وَجْهِ العُمومِ، وفي الصيام يكونُ أَوْلَى وأفْضَلُ، ويُستحَبُّ أنْ يَقُولَ: «إِنِّي صائِمٌ»؛ لِيعْلَمَ الخَصْمُ أنَّهُ لم يَتْرُكِ الرَّدَّ عليهِ إلاَّ لأَِنَّهُ صائِمٌ، لأجل الإشعارِ باحتِرامِ الصَّائِمِ واحترامِ الصِّيامِ.

ولا يُعدُّ مِنَ الرِّياءِ إذا قالَ: إِنِّي صائِمٌ؛ لأنَّ هذا تصريحٌ بالصِّيامِ للمَصْلَحةِ وكَفِّ المَفْسدَةِ، فهو لا يَقْصِدُ بذلكَ الرِّياءَ، إنَّما يَقصِد بذلك كَفَّ العُدوانِ، وكَفَّ الإثمِ، وَلِيُذَكِّرَ خَصْمَهُ ما للصَّائِمِ والصِّيامِ مِن حُرْمَةٍ حَتَّى يخْجَلَ، وَيَكُفَّ، فإذا كانَ الصَّائِمُ مَمْنُوعًا أن يَرُدَّ على مَن شتمَهُ بالشَّتْمِ، وهو جائِزٌ لهُ، فَلأَنْ يُمْنَعَ مِن الابتداءِ بِشَتْمِ النَّاسِ والكلامِ


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (1795)، ومسلم رقم (1151).