لأن
علم الباطن الذي هو علم إيمان القلوب ومعارفها وأحوالها هو علم بحقائق الإيمان
الباطنة، وهذا أشرف من العلم بمجرد أعمال الإسلام الظاهرة . فإذا ادَّعى المُدَّعي
أن محمدًا صلى الله عليه وسلم إنما علم هذه الأمور الظاهرة دون حقائق الإيمان،
وأنه لا يأخذ هذه الحقائق عن الكتاب والسنة، فقد ادعى أن بعض الذي آمن به مما جاء
به الرسول دون البعض الآخر،
****
وَيُرِيدُونَ
أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ
بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ١٥٠ أُوْلَٰٓئِكَ
هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ حَقّٗاۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا ١٥١﴾ [النساء: 150- 151].
إيمان القلوب أشرف من الإيمان الظاهر والإسلام الظاهر، فإذا لم يكن في
القلب إيمان، حتى لو أن الإنسان صلى، وصام، ما تنفعه أعماله، حتى يكون مؤمنًا
ظاهرًا وباطنًا.
هذا في الرد على غلاة الصوفية، التصرف -كما هو معلوم- نشأ في بدايه أمره يراد به الاجتهاد في العبادة، والتقشف، وإظهار الزهد، وهذا في حد ذاته ليس بمحمود؛ لأنه من التشدد في دين الله، ومن المشقة على النفوس، ولما أراد نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشددوا على أنفسهم في الصلاة والصيام والتبتل، رد عليهم صلى الله عليه وسلم وغضب غضبًا شديدًا، قال: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟! لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ([1]) الدين دين الوسط والاعتدال؛
([1]) أخرجه: البخاري رقم (5063)، ومسلم رقم (1401).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد