×
شرح كتاب الكبائر

 لا يرجعون كما قال تعالى: ﴿بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا [الفَتْح: 12]، فلما عاد صلى الله عليه وسلم وأصحابه منتصرين ظافرين، جاء المنافقون يعتذرون بقولهم: ﴿شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ [الفَتْح: 11] ثم قال في آخر الآية: ﴿بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا [الفَتْح: 11]، فهم يقولون إنَّ الذي شغلهم وحبسهم عن الخروج مع الرسول الأموال والأولاد ثم قال في حقِّ هؤلاء المتخلِّفين المعتذرين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: بأنَّ الذي حبسهم هو سوء الظن بالله بأنه لا ينصر رسوله ﴿بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا [الفَتْح: 12] أي: وددتم هلاك الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واعتقدتم أنهم لن يعودوا سالمين، وتمنيتم أن يستأصلهم عدوهم، فهم بظنهم هذا ظنوا ظنَّ السوء، وكانوا قومًا بورًا، فبيَّن سبحانه وتعالى أن الذي أقعدهم عن الجهاد إنما هو سوء الظن بالله تعالى، وظنوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لن يستطيعوا قتال الكفار وهزيمتهم، وأنهم بعددهم القليل لن يرجع منهم أحد.

فقد تبيَّن من هذا أنَّ سوء الظن بالله إنما هو كبيرة من كبائر الذنوب، ولهذا ينبغي للمسلم أن يكون دائمًا حسن الظن بربِّه، وأنه مهما بلغت سيئاته، وتعاظمت ذنوبه، لا بدَّ له أن يدرك أن باب التوبة مفتوح، وأنَّ الله يقبل توبة العبد إذا تاب وأحسن الظن به. وأنَّ الفرج قريب.

وفي هذا الحديث التحذير من اليأس من رحمته تعالى، والقنوط من عفوَه، وفيه الحثُّ على الرَّجاء، وخاصةً عند دُنوِّ الأجل. وعند الشدائد والكربات.


الشرح