×
شرح كتاب الكبائر

ولمسلم ([1]) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «كَفَى بالْمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحِدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ».

****

ثم يقول: هكذا يزعم فلان، فالأصل في المسلم أن يتثبَّت، ولا يتكلم بشيء أو يخبر به قبل أن يتثبت من صحته حتى يبرأ من الكذب.

وقوله: « بئسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَموا » المقصود بالزعم: الظن، أو هو قريب منه، ومن أسوأ عادات المرء أن يتخذ لفظة « زعموا » مَرْكَبًا إلى مقاصده، فيتحدث عن أمرٍ تقليدًا من غير تثبت فيخطئ، والله تعالى يقول: ﴿زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ [التغابن: 7]، وقال: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ [النساء: 60] فقد وردت هذه اللفظة في معرض الذَّم لهؤلاء القوم المنافقين، فعلى الإنسان أن يتثبت قبل أن ينقل الأخبار.

هذا كالحديث الذي قبله جاء في سياق النهي عن القول دون تثبت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كفى بالمرء كذبًا أن يُحدِّث بكل ما سَمِعَ » وذلك أنَّ الذي يُحدِّث بكل ما سَمِع مع أنه يَسمعُ الصِّدق والكذب، فالتحديث بكل ما سمع مفسدة للصدق، ولو لم يكن للرجل كذب إلاّ تُحدثّه بكل ما سمع من غير مبالاة لكفاه من جهة الكذب، لأن ما يسمعه ليس بصدقٍ كله، فلا يتحدث إلاّ بما تيقن من صِدْقِه.

والواقع أن نقل الكلام هكذا على عواهنه دون تثبت يوقع الناس في خصومات لا تُحمَد عقباها، ومن جهة أخرى فربما وقع هو في المحذور.


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (5).