×
شرح كتاب الكبائر

ولا رَيبًا، ولكنه فَعَلَه عن قوة، فهو من قوته لا يريد أن يعطي الكفار شيئًا أبدًا، لكنَّ الحكمة تقتضي في بعض المواقف أن يتنازل المسلمون مؤقتًا من أجل مصلحة مستقبلية، وبالطبع هذا يعود لتقديرات معينة، أما في هذه الحادثة تحديدًا، فإنَّ الله كان يُعدُّ للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتحًا قريبًا، فكان ظاهر الأمر أنَّ فيه شيئًا من الذِّلة، ولكنَّ العاقبة كانت فتحًا قريبًا، وعندها تبيَّن لعمر أنه المخطئ. وأمَّا الصحابي الجليل سهل بن حنيف فهو من يقول: يا أيها الناس، اتهموا الرأيَ، فلقد رأيتني يوم أبي جندل يعني يوم الحديبية‑ أن أردَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددت([1]).

لقد حاول عمر رضي الله عنه رفض الصلح، لأنه رأى فيه غضاضة على المسلمين، ولم ينظر ولم يعلم ما هي المصالح التي تترتب عليه، لذلك ندم على موقفه، وصار يحسبُ لذلك حسابًا، وصار من أحرص الناس في نقد آرائه، وأحرص الناس في الاتباع والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، فأكسبه والمسلمين درسًا في عدم اعتراضهم على أحكام الله ورسوله، ولو ظهر لهم للوهلة الأولى أنَّ في الانصياع للأمر إجحافًا وظلمًا، فِإنما العبرة بالنتائج لا بالمقدمات، هذا هو التقويم السليم، وهذا هو الإيمان، ولذلك شكا عمر إلى أبي بكر، فقال: كيف نرضى بهذا؟ فقال له: أليس هو رسول الله؟ قال: بلى، قال: فاسْتمسك بغَرْزِة ([2])، أي: عليك ألاَّ تعترض أبدًا، فهو رسول الله وما ينطق عن الهوى،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (4189).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (2731).