×
شرح كتاب الكبائر

فمَن اتَّقى الشُّبُهات فقد استَبْرأَ لدِينِهِ وعِرْضِه، ومن وَقَعَ في الشُّبُهات، وقَعَ في الحرامِ، كالرَّاعي يَرْعى حَوْلَ الحِمَى، يُوشكُ أنْ يَرتع فيه. ألا وإنَّ لكُلِّ ملكٍ حمى، ألا وإنَّ حِمى الله محارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجسَد مُضْغةً إذا صَلَحت، صَلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَد كلُّه ألا وهي القلب».

فقوله صلى الله عليه وسلم: مُضغة أي: قطعة لحم، إذا صلحت بأن صارت قلبًا سليمًا طيبًا معتبرًا ذاكرًا الله، خائفًا منه، خاشعًا له، محبًا للخير وأهله، مبغضًا للشر وأهله، فهذا هو القلب السليم، كما قال تعالى: ﴿يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ [الشُّعَرَاء: 88-89]، وقال في إبراهيم عليه السلام: ﴿إِذۡ جَآءَ رَبَّهُۥ بِقَلۡبٖ سَلِيمٍ [الصَّافات: 84] سليم لله عز وجل من الشرك والغِشِّ والكِبْر والخِداع والمَكْر، وغير ذلك من آفاتِ القُلوب، فإذا صَلَحَت أعمال الجوارح فهذا دليلٌ على صلاحِ القلب، وإذا فسَدَتْ أعمال الجوارح فهذا دليلٌ على فسادِ القلب، لأن القلب مَلك الجوارح، وإذا صلح الملك صلحت الرعية، والعكس صحيح، وكذلك القلب في الجسم، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يُكثر مِن الدعاء بقوله: يا مُقَلِّب القُلوب ثَبِّت قُلوبَنا على دينِكَ([1])، والراسخون في العلم يقولون:﴿رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا [آل عِمرَان: 8]، فالقلب هو الأصل، وهو مصدر الخير والشر، ومصدر الصلاح للجسم والفساد.


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (3522)، وابن ماجه رقم (199)، وأحمد رقم (17630).