ثم قال تعالى في آخر
هذه الآية: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ
كَٱلۡأَنۡعَٰمِ﴾ وهذا ذمٌّ لهم، فالأنعام لا تعرف هذه الأشياء، لأنَّ همّها الأكل والشرب فقط،
لأنَّها ما كُلفت وهم مكلفون، ولهذا زاد ذمًّا لهم بقوله: ﴿بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ﴾ هم أضلّ من الأنعام، لأنَّ الأنعام لم تُكَلَّف وهم
مكلفون، فمهمة الأنعام في هذه الدنيا هي المنافع للناس، فلا حساب عليها ولا تدخل
جنة ولا نارًا.
أما الجن والإنس
الذين أعطاهم الله عقولاً، فهؤلاء لهم الجنة ولهم النار، لذلك كانت الأنعام خيرًا
من هؤلاء، وهم أضل منها، لأنها عرفت مسؤوليتها في هذه الحياة، أما هؤلاء فلم
يعرفوا مسؤوليتهم، مع أنه سبحانه وتعالى فضلّهم على البهائم، ولكنهم أَبَوْا إلاّ
أن يكونوا مثلها، بل أضلّ منها، فكان همُّهم الطعام والملذات. والإعراض عمّا فيه
نفعهُم في دُنياهَم وآخرتهم، وبهذا صاروا أقل منزلة من البهائم، نسأل الله
العافية.
وأمّا حديث ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم فهو حديث عظيمٌ، فقد ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم علامة الخير، أو علامة إرادة الله الخير للعبد، وهذه العلامة هي التفقه في الدين، والفقه في اللغة معناه: الفهم، وأما الفقه في الاصطلاح فهو: معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية من الكتاب والسنة، والله عز وجل حثَّ على التفقه في الدين، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ﴾[التّوبَة: 122]،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد