×
شرح كتاب الكبائر

وقوله: «فلولا» فيه حث، أي: هلاّ نفر، أي: سافر لطلب العلم، ﴿مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ أي: قوم  ﴿طَآئِفَةٞ أي: جماعة سواء كانت قليلة أم كثيرة، ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ، أي: ليتعلموا الأحكام الشرعية من الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هذا خاصًا بزمن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو عام إلى أن تقوم الساعة، فيُشرع لمن لديه القدرة على السفر لطلب العلم أن يسافر وفي هذا دليل على أنَّ العلم يُتلقى عن العلماء، وأنَّ الرِّحال تُشَدُّ إليهم، ولو كان العلم يُتلقى من الكتب لاشترى كل واحد منهم مجموعة من الكتب وجلس يقرأ، ولا حاجة للسفر، لكن هذا لا يُعدّ تعلّمًا، بل إنه يضر أكثر مما ينفع، والعلم بالتعلّم، والتعلم إنما يكون على يد العلماء الذين تحمَّلوه وفهموه من أصوله وأدلته، وتناقلوه جيلاً بعد جيل، فهذا هو العلم.

ثم هل يكفي أن يتفقهوا في الدين فقط؟ لا، وإنما كما ذكر سبحانه: ﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ فمهمة المتعلّم ليست اختزان العلم في صدره، وإنما ليعلم به ويبلِّغه، لأنَّ العلم أمانة، وفي قوله: ﴿قَوۡمَهُمۡ دليلٌ على أن أول من يبدأ العالم بتعليمهم هم قوم العالم، فيبدأ بأهل بيته ثم أقاربه ثم أهل بلده، فهم أولى بتبليغهم العلم من الأبعدين، فقد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ[الشُّعَرَاء: 214]، وهم بذلك ينذرون قومهم، لماذا ﴿لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ أي: يحذرون من الشرك والمعاصي والبدع والجهل، ويحذرون من أهل الضلال، ومن دُعاته، ومن المذاهب الهدّامة،


الشرح