×
شرح كتاب الكبائر

ثم ينشأ في هذه الأمة قراء يقرؤون القرآن ويجيدون التلاوة، ويحفظون آياته ولكن دون أن يكون عندهم فقه، ومع هذا يقولون: «مَن أقرأ منا؟ ومن أعلم منا؟»  يُعجبون بأنفسهم، وهذه الصفة ليست من صفات طالب العلم ولا العلماء، لأنه ما من عالم إلاَّ ويوجد مَنْ هو أعلمُ منه، قال الله تعالى: ﴿وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيم[يُوسُف: 76]، فلا يجوز لأحد أن يدعي لنفسه أنه بلغ مرتبة ليس فوقه فيها أحد، لأنَّ هذا من باب التفاخر المحرَّم، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكره من باب التحذير لطلبة العلم والعلماء من هذه الصفة القبيحة، أي: تفاخرهم بعلمهم، فإن العلم لا تُدرك له غاية.

                    إنما العلم بحرٌ زاخِرٌ               فَخُذْ مِنْ كُلِّ قولٍ أحْسَنَه

        وقل للمدَّعي في العلم معرفةً           ذَكَرْتَ شيئًا وغَابت عَنْكَ أَشياءُ

وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا[الإسرَاء: 85]، وطالب العلم إنما ينال قسطًا قليلاً منه، فالذي يدعي أنه أحاط بالعلم، وأنه لا أحد أعلم منه، يدلَّ بذلك على قُصوره وجهله، ولذلك جاء في الحديث: «من قال: أنا عالمٌ، فهو جاهل»([1])، والعالم الحقيقي لا يزال يرى نفسه مقصِّرًا، فيطلب العلم ليزداد منه، أما الذي يرى أنه بلغَ مَبلَغًا من العلم وأنه قد اكتفى بما عنده، فهذا يقف ولا يتعلّم ولا يتزود، وللأسف فإنَّ هذا حال كثير من الناس اليوم، خصوصًا الذين يتخرجون من المعاهد والجامعات، فيكتفون بالشهادات، ويظنون أنها


الشرح

([1])  أخرجه: الطبراني في «الأوسط» رقم (6846).