×
شرح كتاب الكبائر

وقوله: «فلْيُبَلِّغ الشاهِدُ مِنكُم الغائب» هذا فيه الحثُّ على تبليغ ما ورد عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، والدعوة إلى نشر العلم بين المسلمين، فمن أعطاه الله علمًا فلا بُدَّ أن ينشره ولا يكتمه، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ[البَقَرَة: 159]، فلا يجوز كتمان العلم إلاّ إذا ترتب على كتمان بعضه مصلحة راجحة كما قال رسول الله لمعاذ لمّا قال: «ألا أُبشِّر الناس؟ قال: إنِّي أخافُ أن يَتَّكِلوا»([1]).

أما إذا لم يترتب على نشر بعض العلم مفسدة، فإنه من الواجب عليه أن يبلغ العلم ولا يكتمه، لأنَّ الناس بحاجة إليه، ثم قال: «رُبَّ مُبلَّغٍ أوعى مِن سامِعٍ»، فالناس يتفاضلون في هذا، فمنهم من يحفظ النصوص، ولكنه قليل الفهم لا يستطيع أن يعرف ما فيها من أحكام، ألفاظ هذه النصوص الذين لم يحضروا ولم يسمعوا ما سمع من الأمور العلمية فقد يكونون أفقه ممن حضروا، فيستفيدوا مما بُلِّغوا، ويفيدون غيرهم. وهذه هي فائدة نشر العلم، أن يصل لأناس يفقهونه، فدلّ على أنَّ المقصود ليس إيصال النصوص فقط، وإنما المطلوب الفقه فيها والعمل، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ هَل بَلَّغتُ: اللهم فاشْهَد»  ثلاثًا، وهذا فيه أنَّ الأصل في الخُطَب أن لا تطوَّل، وإنما تختصر اختصارًا غير مُخِلٍّ، لأنَّ هذا أدعى للفهم والانتباه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ طولَ صلاةِ الرجل وقِصَرَ خُطْبَتِه مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فأطيلوا الصلاةَ


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (129)، ومسلم رقم (32).