×
شرح كتاب الكبائر

وله ([1]) عن مَعقِل بن يَسارٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «العِبادَةُ في الهَرْجِ كهِجْرةٍ إليَّ».

****

طريقه، فلا يبصر الإنسانُ في الفتنة الطريق الصحيح، سيَّما وأنَّ أهل الشرور يتفننون في إدارة هذه الشرور ويُلْبِسون على الناس، وقد أخبر الصادق المصدوق أنها فتن وليست فتنة واحدة، والفتن إذا أقبلت لا يعرفها إلاَّ العلماء، وإذا أدبرت عرفها كل الناس، فكثير من الناس يقبلونها ويغترون بها، ولذلك فإنَّ المسلم يتخطفه الخطر «يصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا»  والسبب أنه «يبيع دينه بعَرَضٍ من الدنيا» إما بقبول هدية أو وظيفية أو أي عَرْض من عَرَض هذه الدنيا الزائل، فيكون ذلك ثمنًا لتركه دينه.

وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معقل: «العِبَادَةُ في الهَرْج كهِجرَةٍ إلَيَّ» الهَرْج: القتل الذي يحصل في الفتن، فإنَّ كثيرًا من الناس يشتغلون في سفك الدماء، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حثَّ على العبادة في وقت الهرج، لكثرة ثوابها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم إنها: «كهجرة إليَّ»، والهجرة معلومٌ فضلها، فالذي ينشغل بالعبادة في وقت الهرج ويبتعد عن الفتن يكون كمهاجر للنبي صلى الله عليه وسلم، فوجه الشبه أنَّ المهاجر ترك وطنه وخرج فارًا بدينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك المسلم الذي عاصر الفتنة فتركها وأقبل على عبادة ربه، فذاك هجر أرض الشرك والآخر هجر الفتنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المُسلِمُ مَن سَلِمَ المسلِمون مِن لِسانه ويَدِه، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهى الله عنه»([2])

يعني: ترك ما نهى الله عنه، فهذا يُعتبر مهاجرًا، لأنه هجر وترك ما نهى الله عنه.


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2948).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (10)، ومسلم رقم (41).