×
شرح عمدة الفقه الجزء الثاني

 ﴿حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ [التوبة: 24]، فالمهاجرون تركوا أوطانهم، وهم يحبونها، وهاجروا إلى المدينة، وهي غير بلادهم؛ فرارًا بدينهم من الكفار، هاجروا هجرتين، بعضهم هاجر إلى الحبشة لما اشتد أذى الكفار للمسلمين - قبل الهجرة إلى المدينة - عند النجاشي ملك الحبشة، وقال صلى الله عليه وسلم: «لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أرضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا مَلكًا لاَ يُظْلَم عِنْدَهُ أحدٌ»، وكان فيهم عثمان بن عفان رضي الله عنه هاجر الهجرتين: هجرة إلى الحبشة وهجرة إلى المدينة؛ خرجوا فرارًا بدينهم، ثم إن الله منَّ على النجاشي، وأسلم لما رأى الإسلام، وسمع القرآن، بكت عيناه، ثم أسلم رضي الله عنه: ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ [المائدة: 83].

قوله رحمه الله: «وَتَجِبُ الهِجْرَةُ عَلى مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلى إِظْهَارِ دِيْنِهِ فِيْ دَارِ الحَرْبِ»، من لم يقدر على إظهار دينه، ولم يتمكن من أن يظهر دينه - أن يدعو إلى التوحيد، أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أن يقيم الصلاة - تجب عليه الهجرة إلى بلد يتمكن من ذلك فيها، والله جل وعلا توعد الذين بقوا في ديارهم، وتركوا الهجرة إلى بلادٍ يأمنون فيها بأشد الوعيد.

قوله رحمه الله: «وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدِرَ عَلى ذلِكَ، وَلا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ مَا قُوْتِلَ الكُفَّارُ، إِلاَّ مِنْ بَلَدٍ بَعْدَ فَتْحِهِ»؛ لهذا قال جل وعلا في وعيد من ترك الهجرة وهو يقدر عليها: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ [النساء: 97]، هؤلاء في بلاد الكفار، والملائكة يسألون: فيم كنتم؟ ينكرون عليهم بقاءهم في بلاد الكفار، ﴿قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ، ما نتمكن من إظهار ديننا، قالت لهم الملائكة: ﴿أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا [النساء: 97]،


الشرح