×
مجموع الفتاوى الجزء الأول

 مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» ([1])، في هذه الآيات الكريمة ينهى الله المؤمنين أن يسألوا عن أشياء لا حاجة بهم إليها، ولا هي مما يعنيهم في أمر دينهم، ولو ظهرت لهم هذه الأشياء وكُلِّفوا بها لشقَّتْ عليهم وساءتهم، وهذا نهي من الله عن كثرة سؤالهم للرسول صلى الله عليه وسلم في أمور لا تعني، ولا يحتاجون إليها، ويكون في السؤال عنها سبب لإيجابها عليهم وعلى غيرهم، فإنه إذا وقع السؤال عنها في حال وجود الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي عليه، حصلت الإجابة عليها، فكان ذلك سببًا للتكاليف الشاقة، وفي ترك السؤال عنها سلامة من ذلك؛ لأنها مما عفا الله عنه، أي تركه ولم يَذْكُرْه بشيء، فلا تبحثوا عنه، ثم إنه سبحانه بيَّن أن السؤال عن هذه الأشياء التي لا ينبغي السؤال عنها، وقعَتْ فيه الأمم السابقة، فكانت عاقبة ذلك سيئة في حقهم؛ حيث لم يعملوا بها لمَّا بُيِّنَتْ لهم، فعُوقِبُوا بسببها.

والمراد بالآيتين عمومًا: النهي عن السؤال الذي لا تدعو الحاجة إليه، أما ما دعَتِ الحاجةُ إليه من أمور الدين والدنيا، فقد شرع الله السؤال عنه بقوله: {وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ [الأنبياء: 7]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا؛ فَإِنَّ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ؟!» ([2]).

وأما قوله تعالى: {مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ [المائدة: 103] الآية.


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (1337).

([2])أخرجه: أبو داود رقم (336)، والدارقطني رقم (729)، والبيهقي رقم (1075).