×
إِيضَاحُ العبَارَاتِ فِي شَرْحِ أَخْصَرِ المُختَصَراتِ الجزء الأول

 وَأَحْمَدُ بْن حَنْبَل، وَأَمَّا بَقِيَّة العُلَمَاء مِن قَبلِهِم ومُعاصِرِيهم فلم يَبْقَ لَهُم مذاهبُ مُحَرَّرَةٌ وَإِنَّمَا بَقِيَتْ أقوالهم وفتاواهم منقولةً فِي المؤلَّفات الموسوعات؛ كسفيان الثَّوْرِيِّ، والأوزاعيِّ، وَابْن جريرٍ الطَّبَرِيِّ، لَهُم فِقْهٌ، وَلَكِنَّهُ لم يُدَوَّنْ، وَلَكِن نُقِلَ فِي المُطوَّلات والموسوعات، أَمَّا هَؤُلاَءِ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ فإِنَّ اللهَ قَيَّضَ لَهُم أَتْبَاعًا اعتَنَوْا بمذاهبهم، وتَوَلَّوْهَا بالشَّرْح والبيان والتوضيح، فبَقِيَت حَيَّةً - ولله الحَمْدُ -، والإمام أَحْمَد لم يؤلِّف فِي الفِقْه، وَإِنَّمَا مؤلَّفاته فِي الحَدِيث، والفقه ما كَانَ يؤلِّف فيه، وَإِنَّمَا كَانَ يُدَرِّس ويَكتُب فتاوى ورسائل يُرسِلُها إِلَى البِلاَد والسائِلِين يُجِيبُهم بها، وَلَمْ يَكتُب مؤلَّفًا فِي الفِقْه؛ لأنه يَنْهَى عَن ذَلِكَ من بَاب الورع، وَلَكِن قَيَّضَ اللهُ لَهُ تلاميذَ وَأَصْحَابًا جَمَعُوا ما صَدَرَ مِنْهُ من فتاوى وأقوالٍ، وأَعْظَمُ مَن دَوَّنَ ذَلِكَ أَبُو بكرٍ الخَلاَّلُ مِن تلاميذ الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل، جَمَعَ ما صَدَرَ مِن الإِمَام مِن رسائل وفتاوى أَرْسَلَهَا إِلَى النَّاس، جَمَعَهَا فِي جَامِعٍ يُسَمَّى «جَامِعَ الخَلاَّلِ»، ولا يُوجَد مِنْهُ إلا قِطَعٌ مُتفَرِّقةٌ، لَكِن أَصْحَاب الإِمَام أَحْمَد وتلاميذه وتلاميذ تلاميذه اعتَنَوْا وجَمَعُوا ما تَيَسَّرَ لَهُم، وخَرَّجُوا عَلَى قواعده، وفَرَّعُوا عَلَيْهَا؛ فتَكَوَّنَت هَذِهِ الكتب فِي مذهب الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل.

ويمتاز مذهب الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل بِقُربِهِ من الدَّلِيلِ؛ لأنه كَانَ مُحَدِّثًا، فمذهبه أَكْثَر المذاهب تَمَسُّكًا بِالدَّلِيلِ.

قَوْله: «الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل» أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَنْبَل الشَّيْبَانِيُّ، الإِمَام الجَلِيل، وُلِدَ فِي القَرْن الثَّانِي، وَتُوُفِّيَ رحمه الله فِي القَرْن الثَّالِث


الشرح