×
إِيضَاحُ العبَارَاتِ فِي شَرْحِ أَخْصَرِ المُختَصَراتِ الجزء الأول

الصَّابِر لِحُكْمِ المَلِكِ المُبْدِي،

****

من الهجرة، وَكَانَ إمامًا فِي الحَدِيث، يكفيك مؤلَّفُه «المُسْنَدُ» الَّذِي صَارَ مَرجِعًا موسوعِيًّا لِلْحَدِيثِ النبويِّ الشَّرِيفِ، فَهُوَ إمامٌ جليلٌ وضليعٌ فِي عِلم الحَدِيث، وعِلم الرِّجَال، وعِلم الإِسْنَاد وَالرِّوَايَة، وَهُوَ فقيهٌ، فَهُوَ من فُقَهَاء المُحَدِّثِين؛ لأن المُحَدِّثِين عَلَى قِسْمَيْنِ: حُفَّاظٌ وفقهاءُ، فَمِنْهُم مَن جَمَعَ بَين الفِقْه وَالحَدِيث؛ مِثْل: البُخَارِيّ، والإمام أَحْمَد، والإمام مالك، والشافعي، هَؤُلاَءِ فُقَهَاء الحَدِيث؛ لأَِنَّهُم جَمَعُوا بَين الفِقْه وبين الحَدِيث، وَهُنَاكَ حُفَّاظٌ اعتَنَوْا بِالسَّنَدِ وبالمتن، هَؤُلاَءِ يُسَمَّوْنَ الحُفَّاظَ، وفيهم خيرٌ كَثِيرٌ؛ حَيْثُ وَفَّرُوا عَلَى الأُمَّةِ عِلمًا غزيرًا وحَفِظُوا سُنَّةَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، وحَرَسُوها مِن الدَّخِيل، وَقَد شَبَّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاس مَعَ ما جَاءَ به بالغيث الَّذِي أَصَابَ أَرْضًا، فمنها ما أَمسَكَ المَاءَ وأَنبَتَ الكَلأَ، ومنها ما أَمْسَكَ المَاءَ وَلَمْ يُنبِت كَلأً، ومنها ما لم يُمسِكْ مَاءً وَلَمْ يُنبِتْ كَلأً.

قَوْله: «الصَّابِر» أي عَلَى الفتنة الَّتِي حَصَلَت لَهُ بِسَبَب أن الجَهْمِيَّة والمعتزِلة تَأَلَّبُوا ودَاخَلُوا الخَلِيفَةَ المأمونَ، وصاروا بِطانَةً لَهُ ووزراءَ، فحَمَلُوه عَلَى مذهب المُعْتَزِلَة والجهمية وَهُوَ القَوْل بِخَلْقِ القُرْآنِ، وأَغْرَوُا المأمونَ أن يُرغِمَ النَّاسَ ويُجبِرَهُم عَلَى أَنْ يَقُولُوا بِخَلْقِ القُرْآنِ، امتَنَعَ الأَئِمَّةُ وعلماءُ الحَدِيثِ وَمِنْهُم الإِمَام أَحْمَد، لَكِن مِنْهُمْ مَن تَخَلَّصَ بالتأويل، وَمِنْهُم مَن أُوذِيَ وضُرِبَ، وَمِنْهُم مَن قُتِلَ، والإمام أَحْمَد صَبَرَ وثَبُتَ ونَجَّاهُ الله من القَتْل، لَكِن نالَه من الأَذَى والسَّجن والضَّرب الشَّيْء الكثير، وصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي عهدِ المأمون والمعتصِم


الشرح