كِتَابُ الفَرَائِضِ
****
قَالَ رحمه الله: «كِتَاب الفَرَائِض»،
أي: المواريث، سُمِّيَت فَرَائِض لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى فَرَضَها بِمَعْنَى
أنه حَدَّدَها، وقَدَّرَها، وَلَمْ يَترك ذَلِكَ لِنَبِيِّه صلى الله عليه وسلم،
بل هُوَ الَّذِي فَرَضَها وقَدَّرَها، وحَدَّدَها.
والفرض لغة: القطع، يُقَال: فَرَضَ الحَبل الخَشَبَة إِذا قَطَعَها، ويُطلَق الفرض أَيْضًا وَيُرَاد به التَّقدِير، فَرَضَ الله كَذَا بِمَعْنَى قَدَّرَه، ويُطلَق الفرض وَيُرَاد به الوَاجِب، فيقال مثلا: الصَّلَوَات الخَمْس فرضٌ، أي: واجبة، فالفَرَائِض من النَّوْع الأَوَّل وَهِيَ التَّقدِير وَالحَدّ، وعِلم الفَرَائِض عِلم جليل؛ لأنه بواسطته يُعطى ذَوُو الحُقُوق حقوقهم الشرعية، فَلاَ بُدَّ من تَعلُّمِه وتعليمه، وَقَد حَثَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى تَعَلُّمِه وتعليمه، وَأَخْبَر أنه أَوَّل عِلم يُنسى حَتَّى يَختَل الاِثْنَانِ فِي الفريضة فَلاَ يجدان من يَحكم بينهما، أو يَفصل بينهما؛ لصعوبته، فإنه عِلم يُنسى ولا يَكفِي فيه الحِفْظ بل لاَ بُدَّ فيه من المران، وعِلم الحِسَاب، ولا بد من المُذَاكَرَة فيه دَائِمًا، وإلا فإنه يُنسى، فَهُوَ عِلم فيه رياضة للعقل، مِثْل النَّحْو فيه رياضة للعقل، وَلَيْسَ المَقْصُود منهُ الحِفْظ لأحكامه فَقَط، قَد يَحفظه الإِنْسَان ولا يُحسِن تَطْبِيقه إلاَّ بالمران والأمثلة، وَلِهَذَا كَانَ العُلَمَاء يُدَرِّسون أحكامه ثُمَّ يُعطُون الطلبةَ أَمْثِلَة يُسمُّونَها القِسْمَة، كَأَنْ يَقُولَ: هَلَكَ فلان عَن كَذَا وَكَذَا من الوَرَثَة فَكَيْفَ تقسم تَرِكَتُه عَلَيْهِمْ؛ ليختبروا طلابهم هَل يستطيعون تطبيق ما حفظوه أو لا، وقليل من الطلاب من يُتقِن التَّطْبِيق، وإن كَانَ يُتقِن الحِفْظ، فَهُوَ عِلم رياضي، رياضة عقلية،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد