×
دروس وفتاوى الحج

وكانوا في الجاهليَّةِ على شِركِهم وعلى كُفرِهم يُعظِّمون البيتَ وهذا الحَرَم، فكان أحدُهم يَلقَى قاتلَ أبيه أو قاتلَ أخيه أو قريبِه فلا يُفكِّر في أنْ يَنتَقمَ منه، ولا يَهجِيه حتَّى يخرج من الحَرَم؛ لأنَّ اللهَ جعلَ مَنْ دَخل هذا الحَرَمَ آمِنًا ﴿ أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡۚ [العنكبوت: 67]، ﴿ أَوَ لَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا [القصص: 57].

وكذلك بَركَةُ هذا الحَرَمِ وهذا البيت، أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يَجلِب لأهلِه الرِّزق، مع أنَّه في مكانٍ ليسَ فيه زراعة، ليسَ فيه إنتاجُ أغذية، ولكنَّ اللهَ جل وعلا يُيسِّر الأرزاقَ لمَن كان عندَه، وذلك لأنَّ إبراهيمَ دعَا لأهلِه حينما قال: ﴿ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ [البقرة: 126]، فاللهُ جل وعلا أجابَ دعوةَ إبراهيم، فمَنح هذا البيتَ وما حولَه الأمنَ ومنَحَ أهلَه الرِّزقَ الذي يُجلَبُ إليهم من أقطارِ الأرض، فضلاً منه سبحانه وتعالى، حتَّى يَطمئنُّوا حولَ هذا البيت، وحتَّى يُؤدُّوا عباداتِهم وهم مُطمئِنون.

وأنتم ترون من فضل الله عز وجل اجتماع هذه الجموع الهائلة من البشر، وترون أن الرزق مبسوط عليهم، يجدونه أينما توجهوا من فضل الله سبحانه وتعالى، فيجدون الماء، يجدون الطعام، يجدون الأرزاق في كل مكان، من أرجاء هذا الحرم بما سخَّر الله سبحانه وتعالى ويسَّر من جلب هذه الأشياء فضلاً منه وإحسانًا على خلقه، وترون الأمن على كثرة الناس واختلاف طبائعهم واختلاف أجناسهم، كلهم آمنون لا أحد يعتدي على أحد، وإن حصل شيء من الخيانة فهو قليل، وإذا حصل فإنه يحسم ويعاقب من أساء؛ لأن الله جل وعلا يمكِّن من المجرم كما قال تعالى: ﴿ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۢ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ [الحج: 25].

فاللهُ جل وعلا حَمَى هذا البيت، والمسلمون يُؤدُّون مناسكَهم حولَه مُطمئِنين آمنين.


الشرح