×
دروس وفتاوى الحج

واختلافِ لغاتِهم واختلافِ بلادِهم، يأتون عن رغبةٍ ومحبَّةٍ وانقيادٍ لا يأتون طَمعًا في دُنيا، ولا يأتون رِضًا أو خوفًا لمَلِك أو أميرٍ أو رئيس، وإنَّما يأتونَ يَحدُوهم الإيمانُ القلبي؛ رغبةً منهم وطَوَاعيةً منهم، كما قال اللهُ سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٢ وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ [الأنفال: 62- 63]. فالذي ساقَ هؤلاء الحُّجَّاجَ من قريبٍ ومن بعيدٍ على اختلافِ لغاتِهم واختلافِ ألوانِهم واختلافِ أجناسِهم وألَّف بينَهم هو الله سبحانه وتعالى، الذي ألَّف بين قلوبِهم، يَجتمِعون في بقعةٍ من الأرض، يَزدَحمون ولكن مع هذا لا أحدَ يُكرِه أحدًا أو أحد يضر بأحد متعمِّدًا، بل كلُّهم متعلقة قلوبُهم بالله سبحانه وتعالى، هذا من صِحَّة هذا الدِّينِ وعظمتِه، وأنَّه من عندِ الله سبحانه وتعالى.

وقيل: إنَّ الأمرَ في قولِه: ﴿ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ [الحج: 27]، لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا»،فَقَالَ رَجُلٌ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ، ومَا اسْتَطَعْتُمْ، الْحَجُّ مَرَّةً، فَمَنْ زَادَ فَتَطَوُّعٌ» ([1]).

ثُم قال جل وعلا: ﴿ لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ [الحج: 28]،، ليشهدوا: أي: يأتون؛ ليشهدوا منافعَ لهم، يعني: يحضروا، منافع كثيرة لا يَعلمُها إلا الله، في هذا الحَجِّ منافعُ عاجلةٌ ومنافعُ آجِلة، لا يأتون عَبثًا أو يأتُون للنُّزهةِ والفُرْجة والاطِّلاع، وإنَّما يأتون؛ ليَشْهدوا منافعَ لهم، ومعناه:


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (1337)، عدا قوله: «الْحَجُّ مَرَّةً، فَمَنْ زَادَ فَتَطَوُّعٌ»، فقد أخرجه: أبو داود رقم (1721)، والنسائي رقم (2620)، وابن ماجه رقم (2886).