×
دروس وفتاوى الحج

لكنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قال: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»، يعني: أعظم أركان الحج عرفة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» ([1])، مع أنَّ الدُّعاءَ نوعٌ واحدٌ من أنواعِ العبادة، لكنْ لمَّا كان هو أفضلَ أنواعِ العبادةِ حَصَر العبادةَ فيه لفَضْلِه فقال: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»، كذلك «الْحَجُّ عَرَفَةُ» أي: هو أعظمُ أركانِ الحَجِّ، وليسَ معناه أنَّ مَن وقفَ بعَرفةَ انتهى حَجُّه، كما يفَهمُ بعضُ الجُهَّالِ والمُغَالِطون، ويَذهبُون ويَتركون بَقيَّةَ أعمالِ الحَجِّ، هذه مُغالطةٌ للشَّرع، ومن العَجَبِ أنَّه جاء إلى مكَّةَ من مكانٍ بعيد، وأنفَقَ الأموالَ وتعِبَ في السَّفرِ وتلاَعب به الشَّيطانُ فأهْدَر بقيَّةَ المناسكِ ورجَع، هذا الذي يُريدُه الشَّيطان، الشَّيطانُ يُريدُ أنْ يُفسِدَ عليك العبادة، فلْنَحذَر من هذا العَدُو، ولنُقبلْ على عبادةِ ربِّنا، ولنُكمِلِ العبادات، قال اللهُ جل وعلا: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ [محمد: 33].

وقال جل وعلا: ﴿ وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ [البقرة: 196]، وذلك بأداءِ المناسكِ في أوقاتِها وفي أمكنتِها كما شرَعَ اللهُ سبحانه وتعالى، لا كما نريدُ نحن، فلا تكيّف العبادات على رغبتنا بل نؤديها كما شرع الله سبحانه وتعالى، فقولُه تَعَالى: ﴿ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ [البقرة: 203]. أي: هذا أكملُ أنْ يبقى في مِنَى ثلاثةَ أيَّام، على هذه العباداتِ العظيمة، هذا أكملُ وأعظمُ أجرًا، وهو الذي فعلَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، لكنَّ اللهَ جل وعلا رخَّصَ في النُّفورِ في اليومِ الثَّاني عشَر تخفيفًا على النَّاس، وللهِ الحكمةُ في ذلك من أجْلِ أنْ يتدرَّجَ النَّاسُ في الرحيلِ من مِنَى وألاَّ يَتزاحَمُوا ويَرحلُوا في وقتٍ واحد، وقوله: ﴿ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ [البقرة: 203]. لا إثمَ على من تعجَّل بل


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (1479)، والترمذي رقم (2969)، وابن ماجه رقم (3828).